في الأشهر الأخيرة، أصبح كبار المسؤولين الغربيين أكثر اطمئناناً بصورة ملحوظة، بشأن البرنامج النووي الإيراني. لا يعود ذلك إلى أنهم تحولوا فجأة إلى الترحيب باحتمال امتلاك إيران للقنبلة النووية، بل مردُّ ذلك كما قال أحد هؤلاء المسؤولين في الآونة الأخيرة، إلى: ''إننا نحقق قدراً كبيراً من النجاح في تخريب ما يقومون به''.
فكرت في تلك الملاحظة في الأسبوع الماضي أثناء قراءتي تقارير تتحدث عن فيروس كمبيوتر يعبث خراباً بالأنظمة الصناعية في إيران. وتشكو الحكومة الإيرانية من أنها تتعرض ''لحرب إلكترونية'' على شكل فيروس ستكسنيت الذي أصاب أكثر من 300 ألف حاسوب في بلدهم.
ما زال أثر الفيروس على برنامج إيران النووي يكتنفه الغموض، لكن خبراء الكمبيوتر متأكدون تقريباً من أن شيئاً بتعقيد فيروس ستكسنيت لا يمكن إلا أن يكون من تصميم إحدى الدول. وتركزت الظنون الأولية حول إسرائيل، لكن في الحقيقة هناك عدة وكالات استخبارية لديها القدرة والدافع لجعل الحياة صعبة بالنسبة للعلماء النوويين في إيران. وقد أسست الولايات المتحدة هذا العام قيادة فضائية للدفاع عن شبكاتها والتخطيط لشن الهجمات.
بالنسبة للبلدان الصناعية المتقدمة، تعتبر حرب الإنترنت فرصة هائلة وتهديداً كبيراً في آن معا. ذلك أن الهجمات الإلكترونية الموجهة، كتلك الموجهة إلى إيران، تتيح الفرصة لتعطيل قدرات العدو الصناعية وإيقاع الفوضى فيها. غير أن المسؤولين الغربيين قلقون جداً بشأن قابلية مجتمعاتهم للاختراق.
فحتى الهجوم الذي تعرضت له إيران بواسطة فيروس ستكسنيت، تمثلت أشهر حادثة حرب إلكترونية في الهجوم على إستونيا عام 2007. ففي خضم نزاع عاطفي مع روسيا، وجد الإستونيون فجأة أن وصولهم إلى الإنترنت تعطل بصورة خطيرة عبر هجوم ''شل جميع الأجهزة''. وفي 2003 سجلت وزارة الدفاع الأمريكية ''البنتاجون'' بدورها سلسلة من الهجمات على مواقع الحكومة الأمريكية، بعنوان ''وابل من المطر'' وألقيت مسؤولية الهجمات على الصين.
وتعتبر الحوادث الإستونية والصينية والإيرانية بسيطة، مقارنة بما يخشى بعض المحللين الغربيين من حدوثه مستقبلاً. ريتشارد كلارك، الذي كان يدير في وقت من الأوقات عمليات مكافحة الإرهاب التي يقوم بها البيت الأبيض والذي اشتهر تحذير أطلقه حول القاعدة قبل 11 أيلول (سبتمبر)، يصدر حالياً تحذيرات ملحة حول الحرب الإلكترونية. فقد وضع تصوراً لهجوم منسق قادر على أن يؤدي خلال 15 دقيقة إلى تعطيل الشبكة الكهربائية على ساحل أمريكا الشرقي، وإلى خلط الرسائل الإلكترونية، ووقف مراقبة حركة المرور الجوية، والتسبب في حوادث للقطارات، وإغلاق البنوك وأنظمة الدفع الإلكترونية.
وانطلاقاً من الرعب الذي تشكله هذه التهديدات، يتحدث خبراء عسكريون عن الحاجة إلى اتفاقيات دولية جديدة لتنظيم الفضاء الإلكتروني. وأجريت مقارنات مع الأعوام السابقة التي أعقبت اكتشاف الأسلحة النووية، قبل إبرام اتفاقيات مراقبة التسلح. إن تهديد الحرب الإلكترونية جديد إلى درجة لا يوجد معها حتى الآن إجماع على كيفية وضع تعريف للهجوم الإلكتروني، أو لما يمكن أن يشكل ''رداً مناسباً'' عليه.
لكن المقارنة مع سباق الأسلحة النووية، إن كان لها أي أثر، فإنها تبعث على قدر من الراحة يزيد عن الحد. فالأسلحة النووية لا تزال حكراً على بلدان قائمة ولم تستخدم منذ عام 1945. بالمقابل، يستطيع أي شخص المشاركة في حرب الإنترنت. ويمكن شراء أدوات الحرب من أحد المحلات الراقية، أما خندق الأوامر والسيطرة، فمن الممكن أن يكون غرفة نوم زائدة.
خلال السنة الماضية انشغلت الصحافة البريطانية بصورة كبيرة بقضية جاري ماكينون، وهو بريطاني مصاب بحالة خفيفة من مرض التوحد، اخترق كمبيوترات البنتاجون أثناء انشغاله ببحث عن الأطباق الطائرة. ويبدو أن وجهة النظر التي أجمع عليها المراقبون تتلخص في أن الأمريكيين لا يمزحون ويطلبون الثأر فيما يخص جهودهم التي لا تعرف الرحمة لاسترداد ومحاكمة ماكينون. لكن الأشخاص الذين هم على شاكلة ماكينون في هذا العالم يمثلون أسوأ كابوس في أعين الجيش الأمريكي. ذلك أن تهديد أنظمة ذات تكنولوجيا متطورة يمكن أن يكون عرضة للاستغلال من قبل أصحاب العقليات الشاذة المتفردين، ناهيك عن أجهزة الاستخبارات الأجنبية.
في كلمة ألقيت في الفترة الأخيرة، أشار نايجل إنكستر، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إلى حالة أخرى أثارت فزع أجهزة الاستخبارات الغربية. (كان إنكستر لسنوات عديدة يعمل في منصب رفيع في جهاز المخابرات البريطانية). فهناك شخص يطلق على نفسه اسم ''إرهابي 007'' كان يضع تسجيلات فيديو للقاعدة على الإنترنت ويوزع كتيبات التعليمات للإرهابيين. ثم تبين أنه طالب عمره 22 سنة يعمل من غرفة نوم في غرب لندن. وحين اقتحمت الشرطة الشقة التي يعيش فيها، وجدوه يعمل على تصميم موقع على الإنترنت يحمل العنوان المخيف ''أنت تفجر العبوة'' Youbombit.
هل الجواب على كل هذه المخاوف هو مزيد من التعاون والأنظمة على المستوى الدولي؟ خلال السنوات الأخيرة كانت حكومة روسيا من أنشط الدعاة للتوصل إلى اتفاقيات دولية جديدة تهدف إلى تنظيم الفضاء الإلكتروني. وتحدثت الصين كذلك لصالح هذه الفكرة.
بالمقابل، كانت القوى الغربية الكبرى متحفظة نسبياً. ربما يكون ذلك دلالة على الارتياب في نوايا روسيا، أو الشك في إمكانية التوصل إلى أنظمة وقوانين فعالة. ولعله علامة كذلك على الثقة بأن أمريكا تظل متقدمة بدرجة كبيرة في لعبة الفضاء الإلكتروني، كونها تملك أحدث القدرات وأكثرها تطوراً في مجال الأبحاث والأمن. والحقيقة القائلة إنه حتى الأنظمة الحكومية الصينية تشغل في الغالب برامج كمبيوتر مقرصنة، تجعلها عرضة للضعف بصورة خاصة.
وفي الوقت الحاضر ربما تكون اليد العليا في الفضاء الإلكتروني لا تزال للقوى الغربية. لكن يوماً ما ربما تنقلب الموازين. وسنعلم بذلك أول ما نعلم حين ترفض أجهزة الكاش التعاون، وتأخذ إشارات المرور بالإضاءة المتكررة، وتتعطل أجهزة الكمبيوتر لدينا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق