في النشرة الدورية التي تصدرها هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، تطرق عددا شهر رجب وشوال الماضيين إلى زيادة مستخدمي الإنترنت في المملكة من حوالي المليون مستخدم عام 2001 إلى حوالي 11 مليون مستخدم حالياً، بمتوسط نمو سنوي يقدر بحوالي (36%)، وتقدر نسبة انتشار الإنترنت حوالي (39%) من السكان، وأرجع تقرير الهيئة أسباب زيادة النمو إلى زيادة الوعي بفوائد الإنترنت، والنمو في خدمات النطاق العريض، والانخفاض في أسعار أجهزة الحاسب وخدمات الاتصالات والإنترنت.
وخلال المؤتمر الوطني الثاني للتعاملات الإلكترونية الذي عقد مؤخراً في الرياض تحدث المهندس محمد جودت الرئيس التنفيذي لشركة غوغل في الأسواق العالمية الناشئة عن المجتمع والمعرفي عن ضرورة التحاور الإلكتروني عن طريق الإنترنت، وقال إن في بريطانيا أصبح من كل ثلاثة أصدقاء هناك صديق واحد افتراضي يتحاورون معه عن طريق الإنترنت ولن يروه مدى الحياة، وأوضح أنه في الصين هناك 75 صديقا افتراضيا لكل شخص.
جودت: في بريطانيا صديق واحد من كل ثلاثة أصدقاء افتراضي..
تطور الصداقة الافتراضية
هذا التحول في العالم ككل لسنا بعيدين عنه، فمواقع الشبكات الاجتماعية أصبحت تزخر بالعديد من الصداقات الافتراضية، فمصر مثلاً تعد من ضمن الثلاثين الأوائل في استخدام موقع الفيسبوك، وهذا ما يزيد من اعتقادي أن مناقشة موضوع الصداقة من خلال الإنترنت هل هو مناسب أم لا؟، أمر لم يعد بذي الأهمية خصوصاً وأن عمر الإنترنت في المملكة تجاوز العشر سنوات، وأصبحت الصداقة من خلال الإنترنت أمر حتمي، فهناك من يتشاركون ذات الأفكار في المنتدى والشبكة الاجتماعية، يتحاورون طوال اليوم وفي أي وقت، ومن دون أن يكون هناك خوف من إزعاج، فبمجرد ترك تنبيه لصديق الافتراضي على الإنترنت، تجده رهن الإشارة في الوقت الذي تريد، وربما تتطور الصداقة ليصبح معك على أحد برامج الدردشة تتجاذب معه كل أنواع الأحاديث الخاصة والعامة من دون أن يطلع على مجريات لقائكم أحد، وربما تتطور الصداقة ليصبح النقاش من خلال دردشة البلاك بيري أو غيرها، وإذا زادت الثقة بينهما يصبح النقاش هاتفيا من خلال برامج الاتصال على الإنترنت أو حتى من خلال التحدث عبر الهاتف النقال، وقد تتطور العلاقة ليصبح هناك لقاء مباشر في أحد الأماكن العامة.
إحصاءات حول استخدام الإنترنت
وفي دراسة استخدامات الإنترنت الصادرة من هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في عام 2008 بينت أن مستخدمي الإنترنت بشكل يومي في المملكة تتركز أعمارهم بين 15 و34 سنة يقل فيها تكرار استخدام الإنترنت كلما زاد عمر الشخص، وكانت النسبة الأعلى في نوعية الاستخدام تتركز في تصفح الإنترنت حيث وصلت إلى 53%، يأتي بعد ذلك الأغراض التعليمية بنسبة 13% في حين يحل التواصل مع الآخرين في المرتبة الثالثة بنسبة 12%، وقد حصرت الدراسة أعمار مستخدمي الإنترنت لغرض التواصل مع الآخرين بين 15 و24 سنة، ويندرج تحت التواصل مع الآخرين أنشطة مثل استخدام البريد الإلكتروني والتحدث في غرف المحادثة والمشاركة في المنتديات والتجمعات.
تصويت "الرياض"
هذا الأمر يسترعي التفكير قليلاً، لذا رصدت "الرياض" من خلال موقعها الإلكتروني مدى تقبل المجتمع لتحويل الصداقة الإلكترونية إلى واقعية حيث طرحت سؤال في تصويت على الصفحة الرئيسية للموقع نصه: "في حال فقدت صديقك عبر الإنترنت، فهل تبحث عنه على أرض الواقع (الحياة العامة)؟"، وشارك في التصويت (1360) متصفحا للإنترنت، فكانت نتائج الاستفتاء تظهر أن هناك نسبة جيدة تتطلع إلى تحويل الصداقة الإلكترونية إلى حقيقية، حيث أكد (35.37%) من إجمالي المصوتين أنهم سيبحثون عن الصديق الافتراضي، وخصص ما نسبته (9.34%) منهم بحثهم عن الصديق الافتراضي في ذات الجنس فقط أي أن الذكور لن يبحثوا عن الإناث والعكس صحيح، بينما أكد ما نسبته (52.35%) من العدد الإجمالي للمصوتين وهي النسبة الكبرى بأنهم لن يبحثوا عن الصديق الافتراضي، في حين لم يستطع ما نسبته (12.28%) من المصوتين تحديد حقيقة مشاعرهم تجاه الصديق الافتراضي من كونهم سيبحثون عنه أو لا؟.
رأي الخبير
وفي أثناء مؤتمر التعاملات الإلكترونية طرحت السؤال عن الصديق الافتراضي على د. أروى بنت يوسف الأعمى مساعد الأمين لشؤون تقنية المعلومات في أمانة محافظة جدة حيث قالت "أوجه أبنائي بأن لا يعملوا صداقات افتراضيه دائماً كمفهوم أصدقاء، فلابد أن نعرف الأصدقاء الذين نتعامل معهم، ولكن من الممكن أن نعمل تعاون مع أشخاص افتراضيين لا نعرفهم، فمثلاً إذا كان مستخدم الإنترنت يحب التصوير من الممكن أن يتبادل الآراء حول هذا المحتوى، أما أن أجعل شخص افتراضي كصديق.. فلا أنصح بذلك نهائياً"..
رأي متصفحي الإنترنت
ولمزيد من تسليط الضوء على الموضوع التقيت ببعض متصفحي شبكة الإنترنت وسألتهم عن الصداقة الافتراضية حيث أوضحت بيان الجهني وهي طالبة إعلام ومدونة بأنها لا تتعمد عند البحث عن الصداقة على الإنترنت، ولكنها تتركها لتتكون في ظل التعامل مع الشبكة العنكبوتية، ومتى ما تطور التعامل مع متصفحي الإنترنت لتصبح العلاقة صداقة افتراضية ففي هذه الحالة تعامل هذا الصديق الافتراضي تماماً كالصديق الحقيقي، وهذا مكنها من مقابلة العديد من صديقات الإنترنت في أماكن عامة، وفي حالة فقدت الصديق الافتراضي فهي تستاء وتحزن عليه وإذا كان هناك سبب واضح ومقنع لغيابه لا تبحث عنه ولكن إن كان الاختفاء مفاجئا فإنها ستهتم بالبحث عنه من خلال الانترنت فقط، ولكن إذا كان الصديق الافتراضي ذكر فهنا تتعامل معه في ظل ما لا يشعرها بالخجل من كشف هذه العلاقة تبعا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس)، مع التقيد بالتعاليم الدينية في ذلك.
بينما ترى بيان أن اللقاء الواقعي الأول مع الصديق الافتراضي من شأنه أن يكشف شخصيته التي لا تظهر من خلال الإنترنت، فإذا كانت شخصيته توحي بالسلبية فهذا الأمر لا ينسحب على وضع الصداقة من خلال الإنترنت فهنا هي تحاول أن تتقبل شخصيته بحسب ما تفرضه المعاملة الإنسانية، ولكن نادراً ما يتطور الأمر لصداقة واقعية ويضل الأمر وفاء وتعامل في حدود معينة بما لا يضرها ويضره.
أما نايف الحارثي وهو متخصص في تقنية المعلومات يرى أنه ليس بالضرورة أن يبحث عن الصداقة من خلال الإنترنت، لكن لا يمانع من وجودها، ويعرف الصديق الافتراضي بأنه في الغالب الصديق الذي لا يعرفه حق المعرفة ولا يعرف عائلته ولا يعرف مكان عمله ولا يعرف أيضاً أي رابط يمكن أن يجده في الواقع من خلاله، وإنما التقيا في عالم الانترنت فقط، ولذلك تكون نقاشاتهما في مواضيع من غير الممكن الغالب مناقشتها مع أصدقائه الحقيقيون لأنه تسبب نوعاً من الحرج.
ويضيف نايف أن هذا الأمر لا يدوم عنده كثيراً لأنه يرى ضرورة أن تتطور الصداقة الافتراضية إلى صداقة حقيقية، وهنا يبادر نايف بطلب مقابلة صديقه الافتراضي، ولا تتوطد علاقتهما إلا بعد معرفته حق المعرفة، ومتى ما وصلت إلى هذه المرحلة فهو لا يتحفظ في الحديث مع الصديق الافتراضي عن مواضيع عامة أو خاصة أو حساسة. وفي حالة فقد نايف صديقه الافتراضي لا يرى أهمية في البحث عنه، وينسى هذا الصديق لتأكده أنه لن يندم على عدم البحث عنه، ويفضل نايف أن تبقى الصداقة مع الأنثى من خلال الإنترنت فقط ولا يحاول أن يسعى لأكثر من ذلك، لعدم تقبل مجتمعنا لها الأمر.
الخلاصة
مما سبق أرى أن هناك تحولا فعليا نحو تكوين الصداقات عبر الإنترنت، وإن كنت أتمنى أن تتبنى هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات هذه المواضيع، وتعرض لنا نسبا وأرقاما توضح مدى تأثر مجتمعنا بالإنترنت وعلاقاتها، وهنا لا بد أن يعي مستخدم الإنترنت أو الباحث عن الصداقة الافتراضية طرائق الحماية من علاقات الإنترنت، ويحاول المحافظة على خصوصيته عبر الشبكة، وعدم البوح بأسراره هناك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق